من الامور التي لا تخفى على المسلمين ان محبة النبي صلى الله عليه وسلم من الامور الواجبة المتعينة على كل مسلم ومسلمة, وقد جاء في الحديث (لا يؤمن احدكم حتى اكون احب اليه من ولده ووالده والناس اجمعين).
وهذه المحبة الواجبة دليلها وبرهانها : طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما امر وتصديقه فيما اخبر, واجتناب ما عنه نهى وزجر, والا يعبد الله الا بما شرع. قال الله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال سبحانه (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (هذه الاية الكريمة اصل في التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في اقواله وافعاله واحواله). ومن القواعد المهمة في الاسلام ان العبادات توقيفية لا مجال للعقل فيها, وهي مبنية على الاتباع لا الابتداع, وان الاصل فيها الحظر والمنع حتى يرد الدليل على مشروعيتها, ودليل هذه القاعدة ما روته ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد) رواه مسلم.
إلا أن بعض المسلمين هداهم الله ابتدعوا في دين الله بدعا ما انزل الله بها من سلطان, ومن ذلك ما يقع من بعضهم في شهر ربيع الاول من احتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم فظنوا ان هذا الاحتفال قربة وطاعة وما علموا انه بدعة وضلالة, فالاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم امر لا يجوز شرعا وهو مردود لعدة اوجه:
اولا : عدم وجود الدليل على مشروعيته من الكتاب او السنة وقد قال الله تعالى (ام لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) وفي الحديث (من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد).
ثانيا : ان الشريعة الاسلامية شريعة كاملة ليس فيها زيادة ولا نقصان. قال الله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضي لكم الإسلام دينا).
ثالثا : ان الصحابة رضي الله عنهم اتقى الناس لله تعالى واشدهم حرصا على الخير, واعظم محبة للنبي صلى الله عليه وسلم مما جاء بعدهم, ومع ذلك لم يحتفلوا بمولده صلى الله عليه وسلم ولو كان خيرا لسبقونا اليه, ونحن مأمورون بالاهتداء بهديهم والسير على طريقتهم كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ, واياكم ومحدثات الامور فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) رواه ابوداود والترمذي.
رابعا : أن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم أمارة على الغلو فيه وقد قال الله تعالى (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اياكم والغلو في الدين فانما اهلك من كان قبلكم الغلو في الدين).
واعتقاد ان احدا يعلم الغيب مع الله كفر بالله لقوله تعالى (قل لا يعلم من في السموات والارض الغيب الا الله وما يشعرون ايان يبعثون).
خامسا : ان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم تشبه بالنصارى الذين يحتفلون بميلاد المسيح عليه السلام وقد جاء في صحيح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم (لا تطروني كما اطرت النصارى ابن مريم فانما انا عبد فقولوا عبد الله ورسوله).
سادسا : يعتذر بعض المحتفلين بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم نحن نحبه صلى الله عليه وسلم ونحب الخير والثواب في ذلك.
فالجواب بان يقال ان حسن القصد او ارادة الخير ليس مبررا كافيا لصحة العمل والا لو لكان الامر كذلك لصحت صلاة الظهر خمسا لمن اراد الخير في زيادة ركعة خامسة كذا الطواف حول البيت عشرا لمن اراد الخير في زيادة ثلاثة اشواط.ورضي الله عن الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود عندما انكر على جماعة ابتدعوا في الاذكار فقالوا: يا ابا عبدالرحمن والله ما اردنا الا الخير فقال لهم: (وكم من مريد للخير لم يصبه). ولهذا قرر العلماء قاعدة جليلة وهي ان العبادة لا تقبل الا بشرطين اثنين عظيمين: الاخلاص لله تعالى والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو معنى قوله تعالى (هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا). قال الفضيل بن عياض (احسنه اخلصه واصوبه أي خالصا لله صوابا على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم).ومن الامور المنكرة التي تحصل في بعض احتفالات المولد النبوي اختلاط الرجال بالنساء, واستعمال الأغاني والمعازف, وشرب المسكرات والمخدرات بل قد يصل الامر والعياذ بالله الى الشرك الاكبر والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم او غيره من الاولياء.
ومن الامور المنكرة والقبيحة قيام بعضهم عند ذكر ولادته صلى الله عليه وسلم اكراما وتعظيما لاعتقادهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد في مجلس احتفالهم ولهذا يقومون له محيين ومرحبين.
وهذا من اعظم الباطل واقبح الجهل فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة ولا يتصل باحد من الناس ولا يحضر اجتماعهم بل هو مقيم في قبره صلى الله عليه وسلم الى يوم القيامة وروحه في اعلى عليين عند ربه في دار كرامته قال صلى الله عليه وسلم : أنا سيد ولد ادم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر واول شافع واول مشفع). اخرجه مسلم.
وهذا دليل على ان النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الاموات انما يخرجون من قبورهم يوم القيامة.
قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله (وهذا امر مجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم) أ.هـ. نسال الله تعالى ان يهدي ضال المسلمين وان يردهم الى التوحيد والسنة ردا جميلا